هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 فقاقيع الصابون ( قصة قصيرة )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صادق أنور الهندي
عضو جديد
عضو جديد



ذكر عدد المساهمات : 8
نقاط : 3735
تاريخ التسجيل : 26/02/2014
العمر : 51

فقاقيع الصابون ( قصة قصيرة )  Empty
مُساهمةموضوع: فقاقيع الصابون ( قصة قصيرة )    فقاقيع الصابون ( قصة قصيرة )  Emptyالثلاثاء نوفمبر 25, 2014 4:33 am

في إحدى السنوات العجاف التي عاشتها مدارس المدينة , والتي استبيحت فيها حرمات المدارس , ودنست كرامة التعليم ونال السفهاء والأطفال من قداسته , كان ( سعد ) قد وضع قدمه ليخطو أولى خطوات رحلة الصف الثالث الثانوي , كان طالبا طموحا اجتماعيا , خلوقا مع زملائه , دائم المناقشة معهم فيما أشكل عليه , يعلم أن هذا العام يمثل ثمرة لأعوام عديدة من الدراسة , وأنه لابد من تحقيق نسبة عالية من النجاح الحقيقي , تمكنه من مواصلة تعليمه في الجامعة ليتخرج بعد ذلك إنسانا ناجحا يخدم أمته من طريق تخصصه .
استمع (سعد) إلى عدد من طلاب العام المنصرم , كانوا يحدثونه عن استباحة الغش في كثير من مدارس المدينة .. جريمة نكراء لم يفكر هؤلاء المخربون في عواقبها المدمّرة .. تجاهل (سعد) كل ما سمعه , بدأ بكل عزيمة وإصرار منذ الأيام الأولى منهمكا في مراجعة الدروس وحل الواجبات المنزلية ونشيده قول ربه عز وجل [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ] لا يطرح المعلم سؤالا إلا كان أول من يرفع يده ليجيب بكل ثقة . كثير من زملائه ينظرون اليه أنه متكلف يتعب نفسه دون فائدة . (علي) أحد أعز زملائه ، كان ممن خارت همته عندما حدثوه عن شهامة بعض المشرفين على مراكز الامتحانات نهاية العام الماضي .. حاوره يوما باستخفاف قائلا: لمَ تتعب نفسك في المذاكرة مادام النجاح مضمونا نهاية العام؟ بل إنك تستطيع أن تحقق الدرجة التي تريدها دون عناء.
·   سعد (بثقة عالية) : إن الدرجات الجوفاء التي يحصل عليها الطلاب من الغش لن تنفعهم لأنها لا تعبر عن المستوى الحقيقي لمدارك الطلاب.
·       علي ( متجاهلا هذه الحقيقة ) : لكنها ستوصلهم الى الجامعة .
·   سعد (يبتسم ابتسامة ساخرة ) ثم يردف قائلا : إن الالتحاق بكثير من الجامعات (دونه خرط القتاد) فلابد أن يخضع الطالب لامتحانات القبول ، ولن يستطيع الغشاش أن يجتاز هذا الامتحان لانعدام الخلفية العلمية ، فمثل هذا النجاح المزور كمثل فقاعة الصابون ؛ لا تلبث حتى تنفجر سريعاً ، أو كسفينة ذات خرق لا يمكن أن تعبر بها إلى المحيط .
·       علي (بصوت خافت وبكلمات تفتقد الى الثقة) : ولكنه بعد محاولات قد ينجح في اجتياز هذا الامتحان .
·   سعد : حتى لو نجح في اجتياز الامتحان فإنّ أمامه عقبات كؤود على طول الخط أنَّى له أن يجتازها وهو لم يمتلك أبسط المقومات أثناء دراسته ، فالتعليم الثانوي هو الأساس الذي يعتمد عليه التعليم العالي في الجامعة .
·   علي (مطرقاً برأسه معترفا بهزيمته) : حقاً ما تقول لقد التقيت بأحد جيراننا فأخبرني أنه قد فـُصل من الجامعة لعجزه عن مواصلة الدراسة رغم أنه قد حصل على معدل 80% في امتحانات الشهادة الثانوية .
        استمر سعد في طريقه لا يعبأ بمن يعارضه ، بينما استطاع زملاء علي أن يصرفوا ذهنه عما قاله سعد . واستمر هؤلاء الطلاب لا يلتفتون الى المذاكرة بل ويتهربون في كثير من الأحيان من الحصص الدراسية .
انطوت الأيام واقترب موعد الامتحانات ... لا يشعر الزائر لهذه المدينة أن مدارسها مقبلة على امتحانات ، فالطلاب يملؤون الملاعب نهاراً ، وأطراف الأرصفة ليلاً في سهرات تافهة ، لسان حالهم ومقالهم (إذا كان النجاح مضموناً فلمَ نتعب أنفسنا ؟ ) .
وإذا أتعبوا أنفسهم بشيء فإنما يتعبونها بإعداد القصاصات ، وإن كانت الحاجة إليها قد قلت إلى حد كبير .
حانت فترة الامتحانات ، لم يعد لتلك الرهبة التي يجدها الطلاب قديماً مكاناً في نفوسهم، الجميع بزعمهم سيتعاون معهم ، ولم يدرك هؤلاء الغافلون أن هؤلاء الجزارين يتعاونون معهم على قتل أحلامهم ، ووأد طموحاتهم ، وتدمير مستقبلهم ، ثم مستقبل بلادهم .
تمت الجريمة ونفذت بنجاح لكن اللافت أنها نفذت برضا من الضحية . تحصّل سعد على معدل قدره 95% ، ففرح فرحاً حقيقياً من أعماق نفسه ، فبدأ يتخيل آفاق المستقبل وهي تفتح أمامه على مصراعيها ... وكذلك (علي) لم تبتعد درجته كثيراً ، فقد حصل على (85%) لكنه لم يفرح بها كثيرا لأنه يعلم حقيقة هذا المعدل ، وهو على وجل مما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب .
بعد مرور عام أعلنت الجامعات فتح باب القبول والتسجيل ، هرع علي الى التسجيل ، كانت الأعداد المتقدمة غفيرة ، دخل امتحان القبول ظانا أنه سيلقى تلك الوجوه النيـّرة التي تعاونت معه في امتحانات الثانوية ؛ وهنا كانت الكارثة ؛ لقد أخفق في الامتحان ! رجع الى بيتهم حزيناً منكسراً تذكر الآية التي كان سعد يرددها وهي قوله تعالى : [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ] وقد تحصل سعد على منحة دراسية الى إحدى الدول المجاورة وكانت أموره على أحسن حال .
فـُتح باب القبول للعام الجديد ، وبخطى متثاقله قدم علي طلبه ، وكانت أعداد الطلاب أكثر تزايدا من العام الماضي ، أصيب بإحباط قاتل ، علم أن مصيره في هذا العام كسابقه ، وصدق ظنه ، لم تكن تفارق مخيلته صورة أولئك الخونة من المعلمين ، الذين خانوا رسالتهم المقدسة ، وأوصلوه بتعاونهم المزعوم إلى هذا الطريق المسدود ، وبدلا ًمن أن كان ينظر إليهم نظرة إعجاب واحترام ؛ أصبح ينظر إليهم نظرة احتقار وسخط .
علم يقينا أن هؤلاء الملاحظين الخائنين لشرف مهنتهم قد حرموه طلب العلم منذ بداية العام، علم أنهم قد أخرجوه من المرحلة الثانوية إنسانا تافهاً جاهلاً عاجزاً عن مواصلة مشوار التعليم ، فحكموا على مستقبله بالإعدام .
اضطر للعمل في أحد المحال التجارية براتب زهيد ، حتى يوفر لأسرته الفقيرة بعض ما تحتاجه ، عاش حياة كلها عناء ، كان يحذّر كل من لاقاه من الطلاب من أهله وأقاربه من خطر الاعتماد على الغش ويروي للجميع قصته.....
جـزى الله المصائـب كل خيـر                وإن كــانت تغصصني بريـــقي
ومـــــاحـبـي لهــــا إلا لأنـــي         عرفت بها عدوي من صديقي
 
تأليف الأستاذ / صادق أنور الهندي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فقاقيع الصابون ( قصة قصيرة )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ۞۞ ..♥ / منتديات الإدارة و الهيئة التعليمية / ♥..۞۞ :: •●۞۞/ منتدى ابداعات المعلمين/ ۞۞●•-
انتقل الى: